المركز القومي للترجمة يصدر الطبعة العربية من "توجيه حركة التنقُّلات عبر القنوات البحرية:الهجرة والعولمة في منطقة قناة السويس وما وراءها (1869-1914م)
صدر حديثًا عن المركز القومي للترجمة برئاسة الدكتورة كرمة سامي الطبعة العربية من كتاب "توجية حركة التنقلات عبر القنوات البحرية :الهجرة و العولمة في منطقة قناة السويس و ما وراءها"من تأليف فاليسكا هوبر ومن ترجمة محمد صبري الدالي.
في عرض مختصر يقدمه الدكتور محمد صبري الدالي مترجم الكتاب :"ما أجمل أن يحمل الكتاب قضايا أو أفكاراً جديدة، وما أروع أن
يكون مِن الكُتُبِ التي أنتجتها قرائح أجنبية مُنصِفة لتاريخنا. وإلى هذا النوع ينتمي هذا الكتاب
فلطالما كتب الكثير من الأوربيين وغيرهم عن الشرق وأهله دون
موضوعية حتى وقت قريب،لكن مِن حسن الحظ أن هناك–ومنذ فترة ليست بالقصيرة- اتجاهاً جديداً وموضوعياً في إطار "ما بعد الإستشراق والحداثة"، يُحاول أن يعيد النظر إلى
تاريخ الشرق وشعوبه وتاريخه، وعلاقته بأوروبا. ومِن هنا يمكن للقارئ أن يُقْدِم على
قراءة هذه الدراسة التي تعتبر واحدة مِن نتاج تلك الاتجاهات الجديدة
اهتم الكتاب بالبحث
وبشكلٍ موضوعي ومُعمَّق في التجلِيَّات المُبكِرة للعولمة خارج اوروبا ، وخاصة في مجال النقل والتنقَّل البحري. ولقد اختارت المؤلفة أن
تقوم بتطبيق محاولتها على ذلك الممر البحري فائق الأهمية، أي "قناة السويس"
التي قامت بعض الدول الإستعمارية –وخاصة فرنسا، ثم انجلترا بعد احتلالِها لمِصر- مِن خلالها بما أسمته المؤلفة بـ "أقننة حركة النقل والتنقُّل البحري"؛ بمعنى السيطرة
على حركة التنقُّل وتوجيهها لما فيه مصلحة تلك القوى
الكبرى، وبما كان يتناقض مع أهم الأهداف التي حفِرت مِن أجلها القناة، وهو تسريع حركة السفن وتيسير انتقال
الناس والبضائع بين الشرق والغرب. وفي هذا السياق أوضح الكتاب كيف ساهمت القناة في "صناعة العولمة" مِن ناحية، ولكنها العولمة التي استغلتها الدول
الكبرى لتتحكم في القناة وفي شروط حركة المرور والتنقل عبرها وحولها لخدمة أهدافها
الإستعمارية، ووضعت لذلك العديد مِن الشروط والقوانين؛ حتى لقد تحكَّمت في حركة أبناء
مصر والمنطقة والعَالَم؛ وخاصة الحُجَّاج، خوفاً مِن أن ينقلوا أمراضاً وبائية، أو يتبادلوا
أفكاراً مُعادية للاستعمار. كما يُظهِر الكتاب أن العولمة التي مورست في
القناة مرَّت بمراحل مِن التجريبِ والتخبُّطِ والتناقض؛ وتم فيها استخدام المنجزات العِلْمِيَّةلتحقيق السيطرة الاوروبية التي رفعت الشعارات الأولى للعولمة مِن خلال أدوات عديدة، منها"الحَجْرِ" و"العَزلِ" الصحي والتعقيم وغيرها مِن الأدوات
التي كثيراً ما كانت تُتخذ كذرائع بأكثر من استخدامها كأسبابٍ حقيقية.
وفي هذا السياق تنفذ
المؤلفة إلى تفاصيل كثيرة أوضحت كيف كانت العولمة أيضاً أداة للتمييز
العنصري الفج على مُستويات عدة، بداية مِن مُستويات البشر (حسب أعراقِهم، وجنسياتهم، بل وأديانهم)،مروراً بالتمييز بين العابرين للقناة بناءً على طبقاتهم و
وظائفهم؛ وصولاً إلى التمييز بين الدول. وإذا كانت أوروبا ادَّعت بأنها
نقلت "الحداثة" إلى المنطقة، فإن الكتاب يوضح أنها كانت بعض أشكال "الحداثة الظالمة"، والتي تحقق أهداف
العولمة لحساب الشعوب والدول القوية قبل أن تحقق أهداف ما قيل أنه "الرسالة
الحضارية" لأوروبا. والكتاب لا يوضح أهمية موقع القناة في كل هذه
الأمور وغيرها فحسب، بل ويقوم –وفي رحلة طويلة- بتوضيح علاقة ذلك بالإحتلال البريطاني لمصر، وعلاقته بالسيطرة
الإستعمارية على مناطق عديدة قريبة مِن القناة أو بعيدة عنها، وصولاً إلى الشرق الأقصى؛ الأمر الذي يعكس أيضاً كيفية استغلال الإستعمار –آنذاك- لذلك الموقع لمصلحته، وعلى حساب المصريين، بل وعلى حسابِ كل شعوب المنطقة. وبهذا فإن الكتاب مُحاولة جادة لكتابة التاريخ في إطار موضوعي وإنساني وعالمي حقيقي، بدلاًمِن كتابته في إطار هضم حقوق البعض لصالح البعض، واستخدام فِكر العولمة لسحق الشعوب الضعيفة.
يتكون الكتاب من تمهيد وثلاثة أقسام. جاء التمهيد بعنوان "حركة
التنقُّل وحدودها وقيودها". أما القسم الأول "القناة كمحطَّة استعمارية
وسيطة للترحيل-مكان عالمي وحدود جديدة من سبعينيات القرن التاسع عشر وحتى تسعينياته"،
فجاء في ثلاثة فصول هي: "طقوس المرور والتصوُّرات الخاصة بالفضاء العَالَمي" و"نُظم
المروروالقوات العسكرية في منطقة القناة" و"الشركات والعُمَّال". أما
القسم الثاني "حدودالرسالة الحضارية-تنظيم حركة التنقُّلات شرق السويس خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن
التاسع عشر"، فورد في ثلاثة فصول هي: "البدو والقوافل البرية" و…